الأربعاء، نوفمبر 20

من أجمل ما قرأت هذا الأسبوع للأستاذ عبد الوهاب مطاوع رحمه الله...


"بعض ما ميز به الله سبحانه وتعالي الإنسان عن وحوش الغابة التي لا يردعها عن تحقيق أهدافها البدائية رادع من دين أو أخلاق، هو القدرة علي التمييز بين الحق والباطل أو ما اصطلح على تسميته بالضمير، وهو شئ فطري في الإنسان لكنه يتأثر بالوسط الذي ينشأ فيه، ويشبهه بعض العلماء بإحدى عضلات الجسم التي إن لم تستخدم ضعفت، ومشكلة بعض البشر هي أنهم لا يستخدمون عضلة الضمير هذه كثيرا في حياتهم الشخصية، مما يؤدي إلى ضعفها ووهنها ويزيد من تعقيد الحياة وعنائها ومشاكلها على الغير.  ومن المؤسف أنهم بذلك إنما يتنازلون طوعا عما كرمهم به ربهم وميزهم عن وحوش الغابة، فيتصرفون في حياتهم كالوثنيين الذين لا يرجون بأعمالهم الله واليوم الآخر، ولا يخشون عقابا سماويا عاجلا أو مؤجلا على شئ مما يصنعون، وكأنما لا حساب ولا عقاب في الدنيا أو الآخرة علي إيذاء الغير أو الافتراء عليهم بالباطل أو خيانة الشرف والأمانة أو اغتصاب حقوق الآخرين والطمع فيما لا يحق لهم، أو إعانة الظالم على ظلمه رجاء منفعة أو طلبا لعرض من أعراض الدنيا أو إيثارا للسلامة.

وعلي الناحية الأخرى يؤمن أصحاب النفوس الشريفة أن الضمير المستريح هو أفضل منوم في العالم كما يقول أحد الحكماء، وأن اجتناب الإثم والفواحش وإيذاء الغير والافتراء عليهم بالباطل هو خير ضمان لراحة القلب والضمير.. وأفضل دعاء إلى السماء أن تحميهم من غوائل الأيام ولا عجب في ذلك لأن النفس الشريفة كما يقول لنا الإمام شمس الدين محمد بن قيم الجوزيه: لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب علي الأقذار، وهذا هو معنى قوله سبحانه وتعالي : "قل كل يعمل على شاكلته"  الإسراء84."
*******
"لا يستطيع الإنسان مهما فعل أن يمنع الآخرين من الإساءة إليه إذا تحركت نوازع الغدر والشر فى أعماقهم .. ولا غرابة فى ذلك، فأفعال الآخرين لا تقع فى نطاق سيطرتنا ولا نملك أن نخضعها لإرادتنا مهما أجهدنا أنفسنا فى محاولة ذلك ، ومهما كان حجم العطاء الذي نقدمه لهم ، إذ أننا حتى لو كنا نستطيع أن نأسرهم بمعاملتنا الطيبة وعطائنا الصادق لهم فى كثير من الأحيان ، فإن نزعات النفس البشرية الغامضة كثيرة أيضا، وغرائزنا وأهواؤنا الجامحة وحوش ضارية تتلوى داخلنا تريد أن تحطم القيود الأخلاقية والدينية التي نكبلها بها لتنطلق فى الحياة كما تنطلق الوحوش فى الغابة ، فإذا وهنت هذه القيود لدى البعض أو ضعفت درجة سيطرتهم على وحوش الغرائز والأهواء فى أعماقهم ، انطلقت من مكامنها تسعى إلى كل ما يحقق لها رغباتها دون توقف كثير أو قليل أمام القيم الأخلاقية أو أمام حقوق الآخرين علينا وواجباتنا تجاههم ، والإنسان يسأل فى النهاية عما يفعل هو وليس عما ارتكبه الآخرون ضده من خيانة أو غدر أو تصرفات خسيسة .. وليس مما يسىء إلينا فى نظر أنفسنا وأنظار المنصفين أيضا أن نتعرض أحيانا لشىء من ذلك فالجريمة عار مرتكبها لا عار ضحيتها .. والسارق أحق بأن يشعر بالمهانة من المسروق ، لأنه هو الذى ارتكب عملا شائنا يفقده اعتباره لدى الآخرين وليس الضحية. أما غدر الغادرين .. فعارهم وحدهم ولو آذى مشاعرنا وألحق بنا أقصى الألم. وكل ما يملكه المرء فى مواجهة إساءة الآخرين له هو أن يدفع الإساءة الجارحة عن نفسه وأن يرفض السكوت عليها أو التسامح معها ، وأن يتخذ ممن أساء إليه موقفا عادلا ترضى به نفسه وكرامته."
*******
"لو سطر كل إنسان تجربته في الحياة علي الورق سعيدة كانت أم شقية لأضافت بكل تأكيد إلي معرفة الآخرين بالنفس البشرية الكثير.. وفي الحق انه ليست هناك دائما تجارب شقية أو تجارب سعيدة من البداية إلي النهاية, لأن الحياة مزيج عجيب من الاثنين ولا بأس بذلك لأنه سنة الحياة , ولأن المهم هو أن يسقط المطر وينبت الخير في النهاية لمن بذر الحب والوفاء والعطاء للآخرين!"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق