الجمعة، أغسطس 2

قصيدة "الثقب" نزار قباني

1

لقد مر عشرون عاماً علينا

لقد مر عشرون عامْ

ولا نجمَ يسطعُ ..

لا أرضَ تحبلُ ..

لا قمح يطلعُ من تحت هذا الركام

ولا غيمةٌ ماطرة

2

فهل نسي الشارعُ العربيُّ الكلام؟

وصرنا شعوبا بلا ذاكرة..

لماذا الجماهير..

بين المحيط، وبين الخليج،

تجوب الأزقة كالقطط الخائفة

وأين هو الشارع العربي

الذي كان يمضغ لحم الطغاة

ويخترع العاصفة؟

وكيف خرجنا من الحلم الوحدوي الكبير

لندخل ثقباً صغيرا..

يسمونه الطائفه؟؟؟

3

لقد مر عشرون عاماً علينا

لقد مر عشرون عام

ونحن وقوفٌ كأعمدةِ الكهرباء

نحدق مثل البهاليلِ نحو السماء

تمُّرُ القطارات من قربنا..

تمُّرُ الحضارات من فوقنا..

تمُّرُ الزلازل من تحتنا..

فلا نتأملُ شيئاً..

ولا نتعلمُ شيئاً..

ولا نتذكرُ شيئاً..

ولا نتحمسُ حين مجيء الربيع

ولا نتأثرُ حين رحيلِ الشتاء

فلا "رسول" يرضى المكوث لدينا

ولا الأنبياء...

4

لقد مر عشرون عاماً علينا

لقد مر عشرون عام

وليس هنالك من يطرح الأسئلة

وليس هناك مسيحٌ.. ولا جُلجلة

ونحن هنا..

نتناسل مثل الزواحف في الغرف المقفلة

فأين هو الشارع العربي

الذي كان يبصق ناراً؟

ولا يعرف الفرق بين القصيدة والقنبلة..

لقد مر عشرون عاما علينا

لقد مر عشرون عام

ونحن توابيت مصنوعةٌ من رُخام

نبايع أي عقيدٍ يجيءُ..

ونلعق جزمة أي نظام..

ونلبس جلد النمور

ونحن حمام

ونزعم أنّا جبال

ونحن نطير بكل اتجاه

كريش النعام..

كريش النعام..

5

لقد مر عشرون عاماً علينا

لقد مر عشرون عام

يحاصرنا الروم من كل صوبٍ

وليس هنالك ثأرٌ

وليس هنالك من يثأرون..

ويسقط نخل العراق جريحاً

ولا صوت يثقب أعماق هذا الظلام

ولا شيء يطلع من هذه الأرض

إلا الطباقُ.. وإلا الجناسُ..

وإلا ألاعيبُ علم الكلام..

ويأكل سكان بيروت فئرانهم

وليس هنالك حزنٌ

وليس هنالك من يحزنون

فأهل الملايين فوق ملايينهم نائمون

وأهل الخيول الأصيلة فوق جواريهم يركبون

وأهل السياسة لا يقرأون.. ولا يكتبون..

وأهل الثقافة يلتقطون ذباب المقاهي

وفي موج قهوتهم يبحرون

وليس لدينا قصيدة شعرٍ

تريد احتراف الجنون...

6

لقد مر عشرون عاماً

لقد مر عشرون عاماً

ونحن نؤسس حكم القبيلة

ونلغي حدود الوطن

ونرفع صورة شيخ القبيلة

ونعبد في كل يومٍ وثن

لقد مر عشرون عاماً علينا

لقد مر عشرون عاماً

نسينا بها عبق الياسمين،

وصوت المطر

تخاف العصافير منّا..

ويضجر منّا الضجر

إلى أن أخذنا

مع الوقت- شكل الحجر...

جرائدنا..

تتغرغر كل صباح بذات الخبر

شوارعنا..

تتقيء كل مساء ألوف الصور

وليس هنالك

ما يبهج القلب من كل أخبارنا

سوى نبأ..

عن دخول الميليشيات..

أرض القمر

7

لقد مر عشرون..

خمسون..

تسعون..

مليون عامٍ علينا

وما زالت أغمدة سيفي

بلحم الظلام

وما زلت أحرق كل الطبول،

وكل الحواة..

وكل الخيام..

وأشهد أني..

قرأت السلام على كل أهلي

ولكنهم لم يردوا السلام

فهل كنت أقرأ شعري

على كومةٍ من عظام؟؟

نزار قباني











































































































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق