"تعودت الدول الكبرى وبخاصة أمريكا
أن يلعبوا معنا شعوبا، وحكاما، وحكومات، ويبدو أننا كأنظمة نستمتع بهذا اللعب حتى
أدمناه , فوضعنا أنفسنا تحت وصايتهم حتى لا نحرم من بركات توجيهاتهم ,
وبداية اللعب معنا ليست جديدة ,وإنما بدأت بعد سقوط الخلافة العثمانية بثلاثة
أنواع من الإقصاء: السياسي ,والتشريعي , والثقافي. الإقصاء السياسي
بفصل الدين عن الدولة وإبعاد الإسلام عن منصة الحكم والتوجيه, وحتى يتم هذا الفصل
ويبرر ويستكمل تم اختطاف بعض المصطلحات العظيمة وإهانتها وتحقير معناها وتنفير
الناس من مجرد ذكرها كنموذج (مصطلح الدولة الإسلامية) و(مصطلح الجهاد) و(مصطلح
الشريعة). والإقصاء التشريعي بإقصاء الشريعة عن منصات التشريع والقضاء
واستبدالها بالقوانين الوضعية. والإقصاء الثقافي بدأ بإبعاد اللغة العربية الفصحى
واستبدالها بالعامية في كل وسائل الثقافة والإعلام صحفا ومجلات وإذاعات وفضائيات
وتوسيع دوائرها في كل مجالات الأدب , الشعر والنثر والرواية والقصة,
والتشجيع عليها ورصد الجوائز لمن يكتبون بها. أدوات الكبار في اللعب
معنا كثيرة ومتنوعة , بعض هذه الأدوات تملكها الدول الكبرى وهي تحت يدها وفي
قبضتها، ويمثلها معاهد أبحاث تعنى بالدراسات الاستشراقية , والسياسية ,
الاستراتيجية الخاصة بالشرق الأوسط , وهي معاهد تابعة لمراكز القرار وممولة من
الجهات السيادية , وبعضها تشتريها من داخل بلادنا وعمق أراضينا، وبعض هذه
الأدوات يستأجرها الكبار ويدفعون إيجارها ، وهؤلاء يشكلون كتائب ثقافية تتكون من
صحفيين وروائيين وفنانين وممثلين ومطربين وشعراء وأدباء وجميعهم يمثلون
الذراع الثقافي الذي يمهد الأرض لمشروعات الكبار ويخدم على توجهاتهم , وبعض
هذه الأدوات يقدم نفسه للآخرين هدية بلا ثمن، إما تزلفا بترخص، من باب
التسويق للمؤهلات وعرض البضاعة وتقديم العينة تمهيدا وإغراء بالشراء، وإما بغباء
وحماقة يدفعها حماس عشوائي أهوج يتصرف من وحي اللحظة , ولا ينظر لمآلات
الأمور. وكانت نتيجة هذا الإقصاء وجود أجيال من النخب الثقافية كارهة لكل ما
يمت للإسلام بصلة, ومستعدة كل الاستعداد أن تتخلى عن أي مبادئ في سبيل إقصاء كل ما
هو إسلامي , وقد سيطرت هذه النخب على كل مراكز القرار, كما سيطرت على كل
وسائل الإعلام وصياغة الرأي العام , فما حررت وطنا ولا حمت كرامة للبشر ,و لا
استقلت في قرارها الاقتصادي, بل رهنت إرادة البلاد وشردت العباد فأفقرت الغني
وأماتت الفقير وسحقت الطبقة الاجتماعية الوسطى التي تعتبر رمانة الميزان
الاجتماعي ومركز التوازن والاتزان وضاعت ثروات الأمة لحساب مصانع السلاح وعشقا في
الولايات المتحدة , ثم تلاشت حدود الوطن بنظرية الفوضى الخلاقة التي استحدثتها
الولايات المتحدة لتعيد من جديد ترتيب المنطقة وفق مصالحها هي دون اعتبار لمن
أعطوها كل الثروة وكل الولاء وكل الثقة, وكانت النتيجة أنها قربت إيران وأبعدتهم ,
وتفاوضت معها وغابوا هم , ورفعت الحظر عن 80 مليار دولار كانت مصادرة
كأموال لدولة راعية للإرهاب, بينما شرعت لهم قانون جاستا وورطتهم في
حروب داخلية عبثية تأكل ما تبقي من قوة , وتستنفد ما تبقى من جهد, وتقطع بين
الأخوة ما تبقي من أرحام ووشائج . ولا يزال أبناء العم سام يلعبون معنا, ثم جاء
ترامب بطموح أكبر , ويريد أيضا أن يلعب بنا, ثم يلعب فينا , فما هي
أدواتهم المستخدمة في اللعب معنا واللعب بنا , واللعب فينا إن استطاع إلى ذلك
سبيلا. ومن ثم وجب علينا أن نعرف وأن نستعد وأن نرد وأن نصد ....وإلا.....
فعليكم السلام…. أيها العرب."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق