سئل عمرو بن العاص ذات يوم وقد كان من دهاة العرب: ما الحكمة؟
فأجاب: الإصابة بالظن ومعرفة ما يكون بما قد كان.
ذهب الشبابُ، فما له من عودةٍ |
|
وأتى المشيبُ، فأين منه المهرب |
دع عنك ما قد كان في زمن الصبا |
|
واذكر ذنوبك، وابكها يا مذنب |
واذكر مناقشة الحساب، فإنه |
|
لا بد يحصى ما جنيت ويكتب |
لم ينسه الملكان حين نسيته |
|
بل أثبتاه، وأنت لاه تلعب |
والروح فيك وديعة أودعتها |
|
ستردها بالرغم منك وتسلب |
وغرور دنياك التي تسعى لها |
|
دارٌ حقيقتها متاع يذهب |
والليل، فاعلم، والنهار كلاهما |
|
أنفاسنا فيها تعد وتحسب |
وجميع ما خلفته وجمعته |
|
حقاً يقيناً بعد موتك يُنهب |
تباً لدار لا يدوم نعيمها |
|
ومشيدها عما قليل يخرب |
فاسمع هديت نصيحة أولاكها |
|
برٌ نصوح للأنام مجرب |
صحب الزمان وأهله مستبصراً |
|
ورأى الأمور بما تثوب وتعقب |
لا تأمن الدهر الخئون، فإنه |
|
مازال قدماً للرجال يؤدب |
وعواقب الأيام في لذاتها |
|
غصص يذلُّ لها الأعز الأنجب |
فعليك تقوى الله، فالزمها تفز |
|
إن التقي هو البهي الأهيب |
واعمل بطاعته تنل منه الرضا |
|
إن المطيع له لديه مقرب |
واقنع، ففي بعض القناعة راحةٌ |
|
واليأس عما فات، فهو المطلب |
فإذا طمعت كسيت لثوب مذلة |
|
فلقد كسيَ ثوب المذلة أشعب |
وتوق من غدر النساء خيانةً |
|
فجميعهن مكايــــدٌ لك تنصب |
لا تأمـن الأنثى حياتك إنها |
|
كالأفعوان يراع منه الأنيب |
لا تأمن الأنثى زمانك كله |
|
يوماً، ولو حلفت يميناً تكذب |
تغرى بلين حديثها وكلامها |
|
وإذا سطت فهي الصقيل الأشطب |
وابدأ عدوك بالتحية، ولتكن |
|
منه، زمانك، خائفاً تترقب |
واحذره، إن لاقيته متبسماً |
|
فالليث يبدو نابه إذ يغضب |
إن العدو وإن تقادم عهده |
|
فالحقد باق في الصدور مغيب |
وإذا الصديق رأيته متملقاً |
|
فهو العدو، وحقه أن يُتجنب |
لا خير في ود امرئٍ متملق |
|
حلو اللسان، وقلبه يتلهب |
يلقاك يحلف أنه بك واثقٌ |
|
وإذا توارى عنك فهو العقرب |
يعطيك من طرف اللسان حلاوةً |
|
ويروغ منك كما يروغ الثعلب |
وصل الكرام وإن جفوك بهفوةٍ |
|
فالصفح عنهم والتجاوز أصوب |
واختر قرينك واصطفيه تفاخراً |
|
إن القرين إلى المُقارنِ ينسب |
إن الغني من الرجال مكرمٌ |
|
وتراه يرجى ما لديه ويرهب |
ويبشُّ بالترحيب عند قدومه |
|
ويقام عند سلامه ويقربُ |
والفقر شين للرجال، فإنه |
|
حقاً يهون به الشريف الأنسب |
واخفض جناحك للأقارب كلهم |
|
بتذلل، واسمح لهم إن أذنبوا |
وذر الكذوب فلا يكن لك صاحباً |
|
إن الكذوب يشين حراً يصحب |
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن |
|
ثرثارة في كل نادٍ تخطب |
واحفظ لسانك واحترز من لفظه |
|
فالمرء يسلم باللسان ويعطب |
والسر فاكتمه ولا تنطق به |
|
إن الزجاجة كسرها لا يشعب |
وكذاك سر المرء إن لم يطوه |
|
نشرته ألسنة تزيد وتكذب |
لا تحرصن، فالحرص ليس بزائدٍ |
|
في الرزق بل يشقي الحريص ويتعب |
ويظل ملهوفاً يروم تحيلاً |
|
والرزق ليس بحيلة يُستجلب |
كم عاجز في الناس يأتي رزقه |
|
رغداً ويحرم كيسٌ، ويخيّــب |
وارع الأمانة، والخيانة، فاجتنب |
|
واعدل ولا تظلم يطب لك مكسب |
وإذا أصابك نكبةٌ فاصبر لها |
|
من ذا رأيت مسلماً لا يُــنكب |
وإذا رميت من الزمان بريبةٍ |
|
أو نالك الأمر الأشق الأصعب |
فاضرع لربك، إنه أدنى لمن |
|
يدعوه من حبل الوريد وأقرب |
كن ما استطعت عن الأنام بمعزلٍ |
|
إن الكثير من الورى لا يصحب |
واحذر مصاحبة اللئيم، فإنه |
|
يعدي كما يعدي السليم الأجرب |
واحذر من المظلوم سهماً صائباً |
|
واعلم بأن دعاءه لا يحجب |
وإذا رأيت الرزق عز ببلدةٍ |
|
وخشيت فيها أن يضيق المذهب |
فارحل فأرض الله واسعة الفضا |
|
طولاً وعرضاً، شرقها والمغرب |